التنميه المتأسلمه؟

إستمعت كثيرا وقرأت أكثر وشاهدت ما شاهدته في كل ما يتعلق بموضوع تقديم الخطه الخمسيه أو الخطه "التنمويه" التي لطالما إنتظرناها بالكويت ، ولعل آخر ما حصل في هذا الشأن ، أو آخر ما إستمعت إليه من الآراء في هذا المجال ، هو رأي النائب جمعان الحربش والنواب المنتمين لتيارات دينية.

بدأ المحاور بوفتين بإلقاء أكوام الأسئلة على النائب بطريقة "برأيي" خاطئه وتهجميه كان من الأحرى من المحاور التمهل في الإستماع لرأيه ، ليس لجمال رأيه والذي أحترمه ، ولكن حتى يعرف الجميع نوعية "الفكرة" المطروحه من قبل النائب ، والتي أراها شخصيا بأنها فكرة "رجعيه" وطفوليه إن صح التعبير ، تأتي في إطار خفي صاغه هذا النائب ومن معه ، وحاول تجميله بإلقاء أسماء يعتقد هو بأنها تمثل الفكر "أو التوجه" الليبرالي أو العلماني حتى..هذا إن وجد من يمثل هذا الفكر في عالمنا "الثالث" الذي نعيش فيه.

كان حديث النائب الفاضل عن الخطه بشكل عام إستنكاريا ، متسائلا عما إذا كان تهميش ذكر الإسلام أو الشريعه الإسلاميه في الجانب الثقافي والعلمي في هذه الخطه متعمدا أم غير ذلك. شطح فكري بعيدا وأخذت أتذكر بعض الأمور التي إستمعت وقرأت في السابق ، لكتاب وشعراء ومفكرين مختلفين ، أمثال الصراف وأركون وأدونيس والقائمه تطول. قال حرفيا هذا النائب الفاضل أولا بأننا لسنا بحاجة إلى مسرح في كل محافظه حتى نقول بأننا دولة متقده ، ولكنه تناسى أو بالأحرى "إستهزأ" بالمسرح وعمل المسرح "الواقعي" وليس بالضرورة المسرح الحالي، وكأنه يجهل بان المسرح هو أحد أشكال التقدم "الثقافي" والذي لا أعتقد بوجوده لدى النائب.

ثم تطرق النائب الفاضل إلى أمور أخرى ، وربط كلمات الثقافه والتقدم العلمي والمسرح والفنون والموسيقى بالفكر الغربي "الليبرالي" وكأن هذه الأمور لا يجب أن نقف عندها كوننا أمة "مسلمة" لا تؤمن "حسب فكره" بتنوع الثقافات وأشكالها أيضا. ولعل ما أضحكني بشده "أسفا" على كلام يصدر من نائب في البرلمان الكويتي ، هي سخريته من الفنان التشكيلي ، وقال أيضا باننا لا نحتاج إلى أشخاص يرسمون أو يدخلون مجال الفن التشكيلي حتى نصبح أمة متقدمه ، وكأنه تناسى باننا يوما من الأيام "مع الأسف الشديد لم نعد كذلك" كنا المصدر الأقوى والرئيس للثقافة والأدب بشتى أنواعه لدول العالم المجاوره والعربيه تحديدا ، ولكن السؤال الأهم والأقوى من هذه السخريه المؤسفه من قبل النائب ، هو لماذا يا ترى لم تعد الكويت كذلك اليوم؟ أي لماذا لم نعد مصدرا رئيسا للفكر والثقافه والأدب في إطار الدول العربيه؟

إن السبب الرئيسي برأيي هو "مغازلة" الحكومه والإداره في الدولة لتلك المجاميع التي تحمل أفكارا رجعيه تربطها بكل أسف بالدين ، فقبل فترة ليست ببعيده كانت الجماعات المتأسلمه بمجرد إشارتها لموضوع يتم تطبيقه مباشرة بدون حتى تخطيط أو تفكير ، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم ، مناهج تعليميه تراجع من قبل لحايا لا دخل لهم بالعلم المتضمن بالمنهج ، وقوانين تسن مخالفه للحريات التي نص عليها دستور الدولة ، وأمور قانونيه تحصل برمشة واحده..إلخ

كل هذه الأمور التي تقف خلف عقلية وفكرة ما طرحه النائب ، والتي للأسف لم يتريث فيها المحاور حتى تتضح للجميع ، هي بالفعل ما جعل منا نتخلف ، وهي ما جعلنا نخرج من لائحة الدول المتنوره إن صح التعبير ، فسخريته من المسرح والفن التشكيلي والموسيقى والأمور الأخرى بهذه الطريقة ينسف كل مفاهيم "الثقافه" التي لا يفقه فيها شيئا ، وبنفس الوقت تعري لنا أفكار هؤلاء "المشائخ" الهالكون "عقليا" والأحياء "جسديا" برأيي.

خلاصة الكلام ، نعم الخطه متزاحمه ومتكدسه ، تحوي على مشاريع كان من الأحرى بنا تطبيقها من سنين مضت وليس اليوم ، ولكن أن يتم نقدها واستنكارها من قبل تلك الفئه فقط لإعتقادهم بسخافة "ألثقافه" والفنون مرفوضه ، بل الأغرب من ذلك هو طرح إسم أناس "متفتحون فكريا" إن صح التعبير ، ولن أقول بأنهم ليبراليين ، أيدوا طرح هذا النائب وشلته التي تدفع بالبلد إلى الوراء . المشكله لدينا ليست في التطرق لتقييد بعض ماجاء بالدين ، بل المشكله لدينا بفرض "تأويل" ديني قابل للحوار في أمور نحن بأمس الحاجه إليها.