التصميم العظيم والنظرية الشامله - 2

كما أنهينا الموضوع في البوست السابق بطرح أسئلة ومحاولة البحث عن الجواب أو الأجوبة الصائبه لها ، إبتدأ الكاتبان الفصل الثالث بسؤال جوهري قبل الخوض في النظرية ذاتها 

ما هي الفعليه؟ أو بالأحرى ، ما هو الواقع؟

قبل سنوات قليلة نسبيا وتحديدا في مدينة مونزا * بإيطاليا، قام أحد أعضاء المجلس البلدي الإيطالي بتقديم إقتراح بقانون ، وكان نص هذا القانون يتلخص في حرمان جميع المواطنين والمقيمين من وضع سمكة الغولدفش "الذهبيه" في حوض دائري الشكل ، ويتلخص السبب وراء هذا المنع إلى كون هذا الشكل دائريا و الذي سيتبب في تشتيت النظر لدى هذه السمكه وتغيير الحقيقه أمامها ، وبالتالي إعتبرها نوعا من أنواع التعذيب الغير مباشر.

قد يبدو هذا المثال غريبا بعض الشيئ  ، ولكن لنقف أمام هذا الطرح أو المتقرح ونرى ما نستنتج من خلفه.

بدأ الكاتبان التحليل الفلسفي  ، أو العلمي كما يبدو لهذه النظريه ، فكما نظن نحن بان السمكه تلك قد ترى الفعليه أو الواقع مشوشا ، لماذا لا نقل بأنها ترى الحقيقه مقوسه ، بمعنى أننا عندما نرسم خطا مستقيما أمامنا ، فنحن نراه مستقيما بزاوية "صفر" درجه ، أما السمكه فتراها مستقيمه بزاوية معينه متناسبه مع زاوية تقوس الحوض الزجاجي.

كل ذلك كان مقدمه لنظريتان متعارضتان تماما للكون ، فقد كان علماء الإغريق القدامى هم أفضل من وضع "تصميما" ملموسا للمجرة التي نعيش فيها ، او للكون من حولنا.

في البدايه ، كان هناك عالما مشهورا على مستوى الفلك ، ويدعى بتولمي * وهو إغريقي الأصل من سكان مصر ، فقد وضع هذا العالم نموذجا للكون متمثلا بالكرة الأرضيه كمركز للدوران ، بمعنى أن الارض مثبتة غير متحركه ، وجميع الأكوان والمجرات الأخرى تدور حول مركز الأرض بما فيهم الشمس ، وهذا بالطبع يتعارض كليا مع الفلسفات القديمه المتخصصه في مجال الفلك.

أما النموذج الآخر ، والذي يعتبر أقرب بكثير للواقع ، فهو نموذج العالم الفلكي كوبرنيكس * والذي تصور بأن الشمس هي المركز وكل الأكوان والأجرام الأخرى تدور من حولها كمركز ، والذي كان آنذاك يتماشى مع مقولات الفلاسفه.

بالطبع لم يستطع هذين العالمين تأكيد النماذج المقدمه من قبلهما ، فكل ما قدماه كان عباره عن نموذج مبسط غير مدعم بأي نظرية علميه مثبته سواء رياضيا أو حتى لحظيا ، وهذا ما قام به العالم المشهور غاليليو بعد سنوات طويله من طرح هذه النماذج

قام غاليليو بدراسه تحليليه بحته لنموذج كوبرنيكس ، ودعم هذه الدراسه بنظريات مختلفه مثل النظريات النسبيه والفلكيه ، ولكنه عوقب عقابا شديدا على فعلته ، فقد كانت السلطه آنذاك بين يدي الكنيسة ، وبما أنه خالف النص الإلهي المزعوم لديهم والذي يذكر بان الأرض مسطحه ولا تتحرك ، فقد حوكم محاكمة علنيه أمام الملأ ، وكانت آخر كلماته قبل إقتياده إلى تطبيق حكمه "ولكنها تتحرك" وكانت بنبرة خافته مستغربه

تلخص هذا الفصل الطويل والممتلأ بالنظريات المختلفه التي تتعلق بالفعليه والحقيقة ببيان أوجه الإختلاف مابين النظرية المرئيه والنظرية الغير مرئية ، مثالا على ذلك هو أنك لا تستطيع إنكار وجود جهاز الحاسوب في غرفتك بمجرد خروجك من الغرفه ، حتى وإن كنت لا تراه ، فقد كان يعتقد بالسابق بأن الأشياء هي مجرد إحداثيات ضوئيه تختفي بإختفاء المستقبل الفعلي لها "في حالتنا، العين" وهكذا ، ولكن كيف ستفسر هذه النظرية تحطم الحاسوب مثلا لو سقط سقف الغرفه عليه إن لم يكن هناك مستقبلا لهذه الإحداثيات؟ أو ماذا سيحدث لو كنا مكان تلك السمكه التي تحدثنا عنها في البدايه ، فهل سنرى نحن الحقيقه أو الواقع مقوسا او مشوشا بحكم أن الأرض أو ما حولنا قريب جدا من ذاك الحوض الزجاجي؟

هذه المقدمه الطويله جدا كانت مجرد بداية لما سيأتي من شرح مفصل في حدود مئة وخمسون صفحه ، فكما نعلم نحن وإياكم بأن الكثير من المعارضين للنضريات الفيزيائيه يعارضونها بحجة عدم رؤية هذه القوى أو الجزيئات المزعومه ، ولكن عدم الرؤية الفعليه لها بالعين المجرده لا يعني بأنها ليست موجوده ، وهذا أيضا لا يعني بأنها لا تستطيع التحكم بما حولها وهكذا.

لعلي أختم ملخص اليوم بإقتباس مقولة تاريخيه ، صنعت تاريخا جديدا في عالم الفيزياء قبل أيام معدوده ، وتحديدا في أول يوم من شهر أكتوبر الحالي 

"تعلمت بالمرحلة الإبتدائيه من قبل معلمي بأنه من المستحيل رؤية الذره الواحده بواسطة المجهر ، حسنا ، ولكن معلمي كان مخطئا" الدكتور ميكيل أندرسون    

مناسبة هذه المقوله كانت بعد قيام علماء فيزيائيين بتجميد وتصوير ذره واحده من ذرات عنصر الروبيديوم 85 ، المصدر هنا

سنبدأ الحديث في حيثيات النظرية الشامله ، او نظرية إم بعد الإنتهاء من الفصل الثالث ، وكل ما جاء في هذا الملخص اليوم والملخص الذي قبله هو مجرد تمهيد أو حجر أساس للنظرية، أتمنى لي ولكم قراءة ممتعه.

=======================

* Monza, Italy.

* Ptolemy.

* Copernicus.